معدلات الانتحار بطنجة تدق ناقوس الخطر
![]() |
معدلات الانتحار بطنجة تدق ناقوس الخطر |
ان وضع المغرب البئيس يمكن أن تمثله جنازتان لمنتحرين دفنا في نفس المقبرة البارحة عند نفس الساعة . حيث أصبح الموت وكل طقوسه يمر عبر بوابة الانتحار المعتمة . شابان يضعان حدا لحياتهما هروبا من اكراهات واقع أصبح فوق طاقة الاحتمال .
كانت المقبرة غاصة بشباب حجوا لتأبين الفقيدين من كل احياء بني مكادة . واذا كانت جنازة المسمى حسن قيد حياته ضعيفة العدد ، فان جنازة الهالك عمر عرفت تواجد عدد كثيف من شباب المنطقة . ويمكن تفسير وتحليل مفارقة عدد المتعاطفين مع الجنازتين لأسباب متعددة .
في نفس اليوم تداول الناس أن عدد المنتحرين بلغ في طنجة يومها أربعة منتحرين . وقبل قليل فقط وردني خبر انتحار احدهم في حي بئر الشفاء ، أي خلال 72 ساعة تم تسجيل خمس حالات انتحار . وهو ما يجب أن يشكل قلقا كبيرا لدى السلطات والأحزاب وجميع الفاعلين الاجتماعيين . غير أن الأمر يبدو وكأنه أصبح معتادا ، فباستثناء ورود حالات الانتحار كأخبار يومية ببعض الجرائد ، فان أي مجهود لم يتم تسجيله على صعيد الدوائر المسؤولة ، او على صعيد الجمعيات المسجلة تحت لازمة "اجتماعية " . لينكشف الأمر عن حقيقة هذه الجمعيات . ولتتأكد تقارير المنظمات والهيآت الدولية التي تدق ناقوس الخطر منذ سنوات بخصوص تراجع المغرب في العديد من المؤشرات الدولية كالتنمية ، والتعليم ، والحقوق ، وحرية الاعلام ، وحرية الصحافة ، وحرية التعبير ، وصعود معدل اليأس والبؤس بين المواطنين المغاربة .
فقبل يومين فقط أوردت هياة الأمم المتحدة أن المغرب يحتل المرتبة 126 دوليا على مستوى التمنية البشرية، وهي مرتبة غير مشرفة نهائيا ، وتعتبر من أضعف مراتب الدول العربية والافريقية . وهو ما تعكسه مستويات ومؤشرات عديدة تعتمد عليها المنظمات الدولية في مثل هذه القضايا ، وعلى رأسها ارتفاع معدل الفقر وتفشيه بين ساكنة المغرب ، حيث ان نسبة مخيفة من المغاربة أصبحوا تحت عتبة الفقر . وهو ما تفسره حالات الانتحار الجماعي ،اذا جاز التعبير ، الذي مس مختلف الأعمار ، بدءا من عمر الطفولة الى عمر الكهولة . وهذا يدل أن البؤس والاحباط واليأس يمس جميع فئات المواطنين المغاربة الذين أرهقتهم تكاليف الحياة ، والذين يجدون أنفسهم امام جدران صامتة .
قبل عقد او عقدين فقط لم تكن ظاهرة الانتحار هاته تذكر بين المغاربة ، وهو ما يؤزم السؤال ويبئره في رزنامة زمنية دقيقة . يمكن تحديدها بين فاتحة القرن الجديد والآن . فبماذا يمكن تفسيرحالات التدمير الذاتي هاته ؟ ، هل يمكن ردها الى طبيعة المجتمع والتحولات الخطيرة التي مست بنية علاقاته ؟ ، هل يمكن ردها الى سياسات واستراتيجيات الحكومات المتعاقبة منذ بداية الألفية ؟ ، هل يمكن ردها الى مستوى التعليم بالمغرب الذي أصبح الكل يجمع على تراجع جودته ومضامينه ومناهجه ؟ . ام هو هجوم منظومة الحداثة النيوليبرالية المتحوشة التي لا تبقي ولاتذر ؟ . أم الى أسباب اخرى لها ارتباط وثيق بما ذكرناه .
ان اقامة مرسيم جنازتين في مقبرة واحدة على حالتي انتحار ، مثقل بالحمولات الأخلاقية والسياسية والاجتماعية . ويجب أن يشكل بالنسبة لجميع المهتمين قلقا وهاجسا انسانيا ووطنيا وجب التصدي له والبحث عن معالجته بما يتطلب من شجاعة في الطرح وكشف للمستور ، ومناقشة الوسائل والبدائل الكفيلة برد بعض او جزء من الأمل الى المواطن المغربي . والا فان المغرب سيدخل قريبا موسوعة "غينز" للأرقام القياسية في مستوى الانتحار على الصعيد العالمي وينتزع المرتبة الأولى من بولاندا والسودان ، بعج ان فشل في انتزاع صفوف مشرفة في اولمياد ريو دي جانيرو .
عن : خالد الصلعي
تعليقات
إرسال تعليق