دفاعا عن الديمقراطية الحقة ، بعيدا عن اهواء الحمقى

دفاعا عن الديمقراطية الحقة ، بعيدا عن اهواء الحمقى



كاتب المقال : الأستاذ خالد الصلعي
ان ما يمكن أن يخيف كل ديمقراطي متشبث بجذور الديمقراطية ، هو توظيف الديمقراطية نفسها لنسفها من الأساس . والارتكان الى مراجع لا تسعف في تأكيد وتعزيز دعاوي خصومها العمليين والمفترضين ، وخاصة حينما يكون المنطلق حقد دفين او تصفية حسابات عابرة . حينها يجب العودة الى مقاصد الأمور وأصول المبادئ المؤسسة للتدافع او التنافس او الصراع البشري الراقي . ولسوف أعود باقتباسات من نصوص ومقولات مؤسسي الدستور الأمريكي لتوضيح كيف يفكر العظام الذين يخلدون في لحظات عصيبة أسماءهم ويتركون للأجيال القادمة انوارا لاتنطفئ .
ان ما أثارني في قرار وزارة الداخلية منع حماد القباج من الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة تحت غطاء حزب العدالة والتنمية ، ليس قرار المنع في حد ذاته ومسوغاته، فهذا القرار يمكن مناقشته وقراءته تحت ضوء متعدد الزوايا . لكن ما أثارني هو الانسياق وراء هجمة شرسة ضد الرجل من قبل مجموعات وتكتلات أصولية وسلفية بالمفهوم الجابري ، حين تحدث الجابري عن السلفية الماركسية والسلفية الاستشراقية والسلفية الدينية . هذا الجري وراء الحملة المسعورة التي قادتها بعض التكتلات المنضوية تحت لافتات الدفاع عن حقوق الانسان ، ربما يكون أمرها كما رأى أحمد الريسوني ، غير بريئ ، خاصة عندما نقرأ رسالة المعني بالامر ، أي حماد القباج . ولا يهمنا موقف المتخاذل السيد عبد الاله بنكيران من اعادة تقديم ملف القباج ، فالرجل احترق تماما بالنسبة لمن يمتلك قدرا بسيطا من مبادئ السياسة والعمل الوطني . لكن المثير في الأمر هو تغول وزارة الداخلية وتسلطها ، او بتعبير طارئ على ساحة الخطاب السياسي المغربي ، التحكم الفج في ارادة المواطنين وسياسات الدولة وثروة الوطن .
وقد حاول السيد القاضي السابق الهيني لي عنق الدستور المغربي ، وقراءته قراءة مجحفة ومتعسفة وتوجيه دلالة المادتين المستشهد بهما وجهة معاكسة ، مع علمه ان الأحكام القضائية تقع بين حدين تبعا لطبيعة الجريمة ، فهي تقع بين التشدد اذا كانت الجريمة من الدرجة الأولى وتتوفر فيها كل عناصر الجريمة الكاملة والمتكاملة ، وبين الجريمة من الدرجة الثالثة أو الرابعة ، وقوع جريمة عن طريق خطأ غير مقصود قد يكون مهنيا ، او عن حسن نية ، او جريمة لم تنشأ عنها أضرار تذكر . وبالتالي فان توظيف المادة 7 من الدستور المغربي هو في صالح حماد القباج وليس ضده ، باعتباره مواطنا مغربيا ، قد يكون ارتكب جناية فكرية في مرحلة من مراحل حياته ، ثم تراجع عنها ، والدليل رسالته الموجهة الى الملك ، وبعض الفيديوهات والكتابات التي يستشهد بها . أما المادة 175 التي تقول بالحرف ، لكي يطلع القارئ عن كثب عن الأسس التي يستند اليها بعض الحقوقيين " لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وباختيارها الديمقراطي، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور." هذا هو نص الفصل او المادة 175 من دستور المملكة 2011 ، فما تعلق بالدين الاسلامي فان القباج لم يرتد عن دينه ، وما تعلق بتشبثه بالملكية فان نص رسالته معروض أمام الجميع ، وما تعلق بالديمقراطية ، فان أرقى وأجلى مظاهرها هي الانتخابات ، فحين يرضى شخص ما باللعبة الديمقراطية على أصولها ينبري البعض ليقصيه عنها باسم الديمقراطية نفسها ، وهذا هو لب الغرابة في الموضوع برمته . أما المكتسبات في مجال حقوق الحريات والحقوق الأساسية فانني أدعو نفسي بدأ الى اعادة قراءتها والتعلق بها كأسس لا يمكن غض الطرف عنها هنا وتسليط الضوء عليها هنالك ، ان هذه العملية تسمى بالعمل الانتقائي المرفوض في روح الحريات الأساسية والعامة . كما انه يمكن أن نتحجج بلغة بئيسة لا أحبذها وأقول من منحك الحق في الدفاع عن حقوق المواطنين وانت عجزت عن استرداد حقك بالطرق القانونية . وهذا ليس سجالا سخيفا مع الأستاذ الهيني الذي أتضامن معه في محنته الوظيفية ، وانما هو نوع من السجال الذي انبه الى تركه وتجاوزه والعودة الى جوهر الأشياء .
يقول موريس ممثل بنسلفانياوهو احد واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية :
جئت هنا لكي أمثل الجنس البشري كله. أرجوا من الإخوة الرفاق أن يعلوا، لكي يتخطوا اللحظة الراهنة، فوق حدود الزمان والمكان الضيقة، ويسموا إلى رحاب أعظم وأوسع. " .فلنتمعن في قوله "جئت امثل الجنس البشري " ، وكم كان عظيما في رؤيته الشمولية ، ثم لاحظوا قوله "لكي يتخطوا اللحظة الراهنة ، وفق حدود الزمان والمكان الضيقة "، الا نستطيع نحن ، بما راكمناه من معارف وتجارب أن نسمو على امراضنا النفسية ، ونتعالى فوق حاجاتنا الظرفية ، ونسامح بعضنا البعض اذا تبين خير في مواطن ما كان خاطئا في الماضي ، ألسنا جميعنا خطائين ؟ . ألا نتوق دائما الى التوبة ؟ . أسئلة لا تروم العودة الى قضايا دينية بقدر ما هي شؤون حياتية نعيشها يوميا في علاقاتنا اليومية . ثم يقول روجر شيرمان:
أنا ضد تمكين أي فرد من فرض سلطته على الكل. لأنه لم يوجد حتى الآن من فاقت حكمته وعلمه الجميع.
وأنا مواطن مغربي ضد أي استفراد لوزارة الداخلية بمصير المغاربة والمغرب ، فهذه الوزارة لم تجر على المغاربة والمغرب الا الويلات ، ولربما كان تصريح رئيس الحكومة الأخير اليذ صاغه على شاكلة "علي وعلى اعدائي " بخصوص وزارة الداخلية شهادة تحسب له رغم رعونته واعتدائه على الشعب المغربي .
وقد قرأت رسالة حماد القباج ، وهي رسالة ممهورة بلغة الاستجداء والاحتماء بالملك ، واعتراف صريح بقبوله للعبة الديمقراطية ، بل انه يقول في رسالته أنه كان أحد أعضاء اللجنة الوطنية لاعداد دستور 2011 ، فهل يعقل أن يتم في دولة ديمقراطية اقصاء رجل ساهم في اعداد ستور البلد منذ ست سنوات ؟ . انها قمة العبث . ويجب كما يقول حماد فتح تحقيق في الاتهامات التي نالت من شرفه وشخصه . اذ لايعقل في دولة تحترم نفسها أن تمنع حقا دستوريا ووطنيا عن أي مواطن لمجرد بلاغات تافهة تستند على اختلاف في الرأي والتوجه الفكري . فالمغرب كان دائما قويا بتعدد مشاربه وتنوع مراجعه ، وانفتاحه على جميع الثقافات ، فكيف نضيق بشخص يعلن جهارا تشبثه بالملك وبالديمقراطية وبالدستور ، هل هناك سقوف أعلى من هذه السقوف في هذا الوطن ؟ . وحتى اذا ما انسقنا وانجررنا أمام الأخبار التي تفيد أن هناك ضغوطا دولية لاقصاء حماد القباج ، فهل نسي من انصاع لهذه الضغوط ما قرره الملك في خطابين من استقلالية المغرب واعتزازه بشخصيته ؟ . وهل تنحني الدولة أمام رغبات بعض المنظمات الحقوقية العمياء ؟ ، فأين هي اذن هيبة الدولة ؟ .
ان القرار الذي اتخذه والي مراكش بناء على مكالمات فوقية ، لايمكن أن يجد له من مسوغ الا مسوغ التحكم والتسلط ، الممزوج بالعشوائية والمزاجية . وهو يضرب في جوهر دولة الديمقراطية ، كما أنه تدخل قبلي سافر في مجريات العملية الانتخابية . والا فان أبو حفص سلفي سبق له وأن أدين بسنوات طوال قضى منها ما يقرب من عشر سنوات في السجن ، لكنه أصبح بعد العفو الملكي من المنعم عليهم وهو مرشح فوق العادة بمدينة فاس للانتخابات التشريعية القادمة. وأيضا صديقه محمد الفيزازي الذي أصبح من مقربي القصر، والذي رأى في منع القباج مصلحة وطنية ، وهو تخريج جديد لسلفي قديم .
السياسة هي تصور قبل أن تكون قرارات جافة لا مذاق لها ولا أصول . والدولة المغربية ممثلة في وزارة الداخلية لا تعمل الا على ترسيخ غبائها الاداري ، وتمييع كلي للعمل السياسي .
طريق الديمقراطية طريق واضح لا لبس فيه ، وساحتها ساحة مكشوفة يتبارى فيها الأقوياء على مرأى من الجميع . لكننا في المغرب يمكن ان نخرج الديمقراطية من جيب المخزن متى شاء هذا المخزن . وهو لايعترف حتى بتراتبية السلطة ، فكلما أصاب المزاج مغص ما ارتد على الديمقراطية ونحى الدستور جانبا ووقف منتصبا في ساحة فارغة ينكل بالموتى .
ان اقصاء القباج من قبل والي مراكش يعتبر قمة التسيب السياسي ، فهو لم يراع الجوانب الادارية ، على اعتبار أن سلطة الوالي في مثل هذه الحالات محدودة سياسيا ، خاصة وأن الحزب الذي رشح القباج هو حزب رئيس الحكومة ، الذي اوكل له الملك بناء على منطوق الدستور الاشراف العام على الانتخابات . كما ان القباج اذا كان في زمن ما قد خاصم الديمقراطية ، فانه بتقدمه للانتخابات يكون قد رضخ لشروطها ، دون الدخول في محاكمة النوايا . فأهم فضائل الديمقراطية انها تحاكم الواقع والوقائع ، ولها آليات يمكن من خلالها ، وبشفافية واضحة ، اعفاء أي برلماني من مهامه اذا تناقضت ومسؤولياته التمثيلية .
لكن يبدو ان وزارة الداخلية قد أعماها استحواذها على المشهد المغربي العام ، وصارت تلقي بفتاويها الاقصائية والعنصرية ، بالبحث عن الماضي ، ومحاكمة مواقف قديمة ومحو أي تطور فكري للمواطن المغربي ، بناء على مقالات مغرضة لاستئصاليين يزكون من يشاؤون ويهمشون من لا يعزف على أنغامهم . هذه هي ديمقراطية بعض حداثيي المغرب الذين انتصرت لهم وزرارة الداخلية في نازلة القباج ، ضربا لروح الدستور ولحق طبيعي ومشروع لمواطن مغربي ، وهضم لمواطنته أيضا .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قاموس البهارات والاعشاب الشرقية باللهجة المغربية

من صدق أكذوبة غاندي فهو واهم، أفيقو من سباتكم